ريال مدريد ويوفنتوس.. مباراة الحيرة التي لا تُنسى قبل الكلاسيكو المنتظر
في ليلة كروية غريبة ومليئة بالتناقضات، تابع عشّاق ريال مدريد مباراة فريقهم أمام يوفنتوس وهم غارقون في مشاعر الحيرة. لم يكن من السهل تحديد ما إذا كان الريال قريبًا من فوزٍ كبير أو من خسارةٍ مُفاجئة! المشجع المدريدي عاش كل السيناريوهات الممكنة خلال التسعين دقيقة، فبين لحظةٍ وأخرى كانت مشاعره تتقلّب من “كنا ممكن نكسب بنتيجة ثقيلة” إلى “الحمد لله طلعنا بالمكسب وخدنا الثلاث نقاط”.
المباراة كانت متقلبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومع اقتراب الكلاسيكو أمام برشلونة، ازدادت التساؤلات حول مدى جاهزية ريال مدريد الحقيقية. فهل قدم الفريق أداءً مطمئنًا؟ أم أن هناك ما يدعو للقلق؟
دفاع ريال مدريد.. منظومة تحتاج إلى مراجعة عاجلة
إذا كان دفاع برشلونة هذا الموسم يُعاني من تذبذب واضح، فإن منظومة ريال مدريد الدفاعية باتت أكثر إرباكًا. الأداء أمام يوفنتوس كشف عن هشاشة كبيرة في الخط الخلفي، خصوصًا مع غياب بعض العناصر الأساسية، واضطرار المدرب تشابي ألونسو إلى إجراء تغييرات اضطرارية.
المدرب اعتمد على كارّاس، راؤول أسينسيو، وإيدير ميليتاو في الخط الخلفي، مع مشاركة فالفيردي في بعض الأدوار الدفاعية، لكن المشكلة لم تكن في الأسماء بقدر ما كانت في التنظيم. المساحات بين الخطوط كانت مفتوحة بشكلٍ غريب، مما جعل التحولات السريعة من يوفنتوس تشكّل تهديدًا حقيقيًا في كل مرة يمتلك فيها الخصم الكرة.
في أكثر من لقطة، وجدنا المهاجم فلاهوفيتش ينفرد من منتصف الملعب، لولا براعة كورتوا الذي أنقذ الموقف بتصدي يُمكن اعتباره من أفضل تصديات الموسم حتى الآن.
خط الوسط.. فوضى تكتيكية أم تجربة غير موفقة؟
ما فعله تشابي ألونسو في خط الوسط ترك الكثير من علامات الاستفهام.
اختيارات غريبة جعلت جمهور ريال مدريد يشعر وكأنه يشاهد “تجارب معملية” أكثر من خطة مدروسة.
ألونسو دفع بـ إبراهيم دياز في مركز لا يُناسبه، ووضع أردا غولر في موقعٍ ضيق لا يسمح له بالإبداع، وكل ذلك فقط ليُبقي جود بيلينغهام أساسيًا رغم تراجع مستواه بعد الإصابة.
النجم الإنجليزي، رغم تسجيله لهدف الفوز، لم يكن في مستواه المعتاد. بدا بطيئًا ومترددًا، ومع ذلك بُنيت الخطة بالكامل حوله، وكأن المدرب يخاف استبعاده من التشكيلة. هذا الإصرار جعل الفريق يفقد الانسجام، وأفقد دياز وغولر قدرتهما على صنع الفارق.
حتى تشواميني بدا تائهًا، يركض بين المساحات وكأنه “كلب حيران” كما وصفه بعض المحللين، يحاول سد الثغرات دون مساندة حقيقية من زملائه.
أردا غولر.. موهبة تُستخدم في المكان الخطأ
من المؤلم أن ترى لاعبًا موهوبًا مثل أردا غولر يُستنزف في أدوار دفاعية لا تناسب إمكانياته.
النجم التركي الشاب يمتلك رؤية استثنائية في صناعة اللعب، وقدرة على تمرير كرات تخترق العمق بدقة عالية، لكن وضعه في مراكز متأخرة قتَل الزخم الإبداعي لديه.
غولر بحاجة إلى حرية في التحرك، إلى مساحة يبدع فيها خلف المهاجمين، لا إلى واجبات دفاعية تُطفئ بريقه.
ولعل أكثر لقطة معبرة عن ذلك كانت عندما وجدناه في الشوط الثاني يعود حتى الخط الدفاعي لإخراج الكرة من مناطق الخطورة!
ريال مدريد، كما بدا في المباراة، لم يكن يملك فكرة واضحة أو أسلوبًا منظمًا. الاعتماد كان شبه كامل على الفرديات: لمسة من فينيسيوس، تمريرة من غولر، تسديدة من بيلينغهام… لا أكثر.
فينيسيوس جونيور.. اللقطة التي أنقذت ريال مدريد
رغم أن فينيسيوس لم يكن في أفضل حالاته، إلا أن لقطته في الشوط الثاني كانت كافية لتغيير مسار المباراة.
في كرةٍ ميّتة محاصَر بأربعة لاعبين من يوفنتوس، استطاع أن يتجاوزهم بخفة وسرعة، ثم أطلق تسديدة ارتدت من العارضة لتصل إلى بيلينغهام الذي أودعها الشباك.
تلك اللقطة تُلخّص الفارق بين اللاعب العادي والنجم الكبير.
فينيسيوس، حتى وهو في أسوأ حالاته، قادر على خلق الفارق من لا شيء، وهذه هي القيمة الحقيقية التي يقدّمها اللاعبون الكبار لفرقهم.
تألق كورتوا ودي جريجوريو.. صراع الحُراس
لا يمكن الحديث عن المباراة دون الإشادة بالحارسين.
تيبو كورتوا كان صمام الأمان لريال مدريد، وتصدياته منعت الفريق من استقبال هدفين محققين على الأقل.
في المقابل، تألق حارس يوفنتوس دي جريجوريو بشكل لافت، وقدم مباراة من الطراز الرفيع، كان فيها السبب الرئيسي في بقاء النتيجة متقاربة حتى اللحظات الأخيرة.
ذلك الصراع بين الحُراس أعطى للمباراة نكهة خاصة، رغم أن الأداء العام لم يرتقِ لمستوى مباريات دوري الأبطال الكبرى.
يوفنتوس.. غياب الأفكار الهجومية
من الجانب الآخر، لم يُظهر يوفنتوس رغبة حقيقية في استغلال المساحات التي تركها دفاع ريال مدريد.
مدرب الفريق الإيطالي بدا وكأنه يخشى المجازفة، حتى عندما كانت الفرص مواتية.
أكثر ما أثار الاستغراب هو التبديل غير المفهوم بإخراج “خفرن ترامب” – أحد أسرع لاعبي الفريق – وإدخال “سيرجي كونسيساو”، وهو قرار أفقد البيانكونيري السرعة المطلوبة في التحولات.
بخروج ترامب، فقد يوفنتوس أهم أسلحته في المرتدات، ليبدأ ريال مدريد في السيطرة على إيقاع المباراة، ويحوّل الضغط إلى نصف ملعب الخصم.
بيلينغهام.. بين التوفيق وتراجع المستوى
صحيح أن بيلينغهام سجّل هدف الفوز، لكن الأمانة تقتضي القول إن مستواه لا يزال بعيدًا عن النسخة التي شاهدناها في بداية الموسم الماضي.
منذ إصابة الكتف، فقد اللاعب كثيرًا من حيويته وقدرته على التحرك بحرية. ومع ذلك، يصرّ ألونسو على الاعتماد عليه كأساسي دائمًا، وهو ما يثير الجدل بين الجماهير.
المدرب يبدو وكأنه يكرر خطأ الموسم الماضي عندما أصرّ أنشيلوتي على إشراكه في كل مباراة، حتى على حساب لاعبين كانوا يقدمون أداءً أفضل مثل إبراهيم دياز.
النتيجة؟ فقدان التوازن في الوسط، وتراجع مستوى صناعة اللعب بشكل عام.
غياب الفكرة الواضحة قبل الكلاسيكو
ما يقلق جمهور ريال مدريد اليوم ليس الأداء في مباراة يوفنتوس فحسب، بل العلامات التي تسبق الكلاسيكو أمام برشلونة.
الفريق لا يُرسل أي رسائل إيجابية.
ضد خيتافي لم يظهر الانسجام، وضد يوفنتوس بدا بلا خطة واضحة.
في كل مباراة جديدة، تظهر مشكلة جديدة، وكأن المدرب لا يعرف التوليفة المناسبة بعد.
ديفيد ألابا، ميليتاو، كارفاخال، ودين هاوسن يعانون من مشاكل مختلفة، مما يجعل الاحتمال الأكبر أن يدخل ريال مدريد الكلاسيكو بدفاع “ترقيعي” يضم فالفيردي كظهير أيمن وربما لاعب شاب بجواره.
والأخطر من ذلك هو أزمة الإصابات التي تهدد الخط الخلفي:
كلاسيكو بلا دفاع؟
الغريب أن الوضع في برشلونة ليس أفضل بكثير، فالفريق الكتالوني أيضًا يُعاني من غيابات دفاعية.
منذ إصابة إينيغو مارتينيز، لم يستطع تشافي تثبيت خط التسلل، وأصبحت الكرات الطولية تشكل خطرًا في كل مباراة.
لذلك، يبدو أننا مقبلون على كلاسيكو هجومي مفتوح، قد ينتهي بنتيجة كبيرة مثل 7-8 أهداف مجمّعة بين الفريقين.
كلا الفريقين يمتلك قوة هجومية مرعبة، لكن الدفاعات هشة للغاية.
الفرصة الأخيرة لتشابي ألونسو
يُدرك تشابي ألونسو جيدًا أن الكلاسيكو القادم ليس مجرد مباراة، بل هو اختبار مصيري لمستقبله مع ريال مدريد.
الخسارة فيه قد تفقده ثقة الجماهير والإدارة، خاصة بعد الأداء الباهت أمام أتليتكو مدريد سابقًا، والمستوى غير المقنع في دوري الأبطال.
المدرب مطالب بأن يجد التوازن المفقود، وأن يُعيد الفريق إلى الطريق الصحيح، خصوصًا مع الضغط المتزايد من نتائج برشلونة الإيجابية في الآونة الأخيرة.
الخلاصة: ريال مدريد يفوز.. لكنه لا يُقنع
في النهاية، خرج ريال مدريد من مباراة يوفنتوس بثلاث نقاط ثمينة، لكنها لم تُخفِ العيوب الواضحة في المنظومة.
الفريق فاز بفضل اللحظات الفردية لا بفضل الخطة الجماعية، وتألق كورتوا وفينيسيوس أنقذاه من نتيجة كانت قد تكون كارثية.
لكن أمام برشلونة، لن تكفي تلك اللحظات الفردية.
الكلاسيكو يحتاج إلى منظومة متكاملة، إلى روح جماعية، إلى فكر تكتيكي واضح.
وحتى يحدث ذلك، ستظل جماهير ريال مدريد بين الخوف والأمل