ريال مدريد بين النتائج الجيدة والضوضاء الإعلامية: أين تكمن المشكلة؟
في الفترة الحالية، ورغم هدوء سوق الأخبار الرياضية المتعلقة بريال مدريد، يظل هناك خبر واحد يتصدر العناوين: قرار إندريك خوض تجربة جديدة بعيدًا عن النادي الملكي، واقترابه من الانتقال إلى أولمبيك ليون في يناير وفقًا لما أكده فابريزيو رومانو. ورغم أن هذا الخبر يمثل العنوان الأبرز والأوضح في مشهد الصحافة المدريدية، إلا أن كل ما يحيط بالنادي يوحي بأن هناك شيئًا غير مفهوم يحدث خلف الكواليس.
فعلى الورق، لا يبدو أن هناك ما يستوجب القلق. الفريق يقدم بداية قوية في دوري أبطال أوروبا، إذ خسر مباراة واحدة فقط من بين أربع أو خمس مواجهات لعبها حتى الآن، وكانت الخسارة أمام ليفربول. وفي الدوري الإسباني، ورغم التعادل الأخير أمام رايو فاييكانو، إلا أن ريال مدريد ما زال في الصدارة بفارق ثلاث نقاط عن برشلونة. بل إن قائمة ريال مدريد أكثر اتزانًا، وأكمل من قائمة برشلونة التي تعاني من غياب سوق انتقالات مؤثر وإصابات متلاحقة.
ومع ذلك، يظهر فجأة حديث غير منطقي عن إمكانية “إقالة” تشابي ألونسو، رغم أن الفريق واقف على قدميه ويحقق نتائج جيدة. وهنا يصبح السؤال منطقيًا: لماذا تزداد الأخبار السلبية حول ريال مدريد رغم أن وضعه الفني لا يستدعي كل هذا الضجيج؟
تفسير الحالة: نتائج جيدة… ضوضاء أعلى
على المستوى التحليلي، يبدو ريال مدريد في وضع مزدوج. الفريق نفسه ليس مكتملًا بنسبة 100%، لا على مستوى الأفكار الفنية ولا حتى على مستوى العناصر، خصوصًا مع اقتراب الميركاتو الشتوي الذي سيحدد شكل الفريق بشكل أكبر. لكن في المقابل، المنافسون—وخاصة برشلونة—يعانون من ظروف أسوأ بكثير، ما يجعل ريال مدريد في الصدارة رغم وجود مشكلات داخلية.
هذه الحالة تشبه خليطًا بين وضع ليفربول تحت قيادة آرني سلوت في أول موسم له، حينما استفاد من ضعف المستوى العام للمنافسين، وبين وضع إريك تين هاغ مع مانشستر يونايتد، حين اضطر للتنازل عن جزء من أفكاره من أجل تحقيق نتائج سريعة في بطولات الكأس.
فكرة النظام مقابل “غرفة الملابس”
هنا نصل إلى جوهر الأزمة.
تشابي ألونسو مدرب “سيستم”.
مدرب يؤمن بأن الفريق يجب أن يعمل كآلة منسجمة، وأن المدرب هو رأس الهرم.
في المقابل، كارلو أنشيلوتي كان يتعامل بسياسة مختلفة تمامًا. الرجل كان يعرف أن لاعبي ريال مدريد—وخاصة النجوم—بحاجة إلى “راحة عقلية”. كان يتعامل معهم كأطفال يكبرون تدريجيًا، يوازن بين طلباتهم وبين ما يحتاجه الخط الفني.
غرفة الملابس في عهد أنشيلوتي كانت هادئة وسلسة. لم يكن هناك مشاكل حقيقية. الرجل رأيناه في مقطع شهير مع فرانك ريبيري في بايرن ميونخ عندما هدأ اللاعب واحتواه، حتى أصبح المشهد إحدى أجمل اللحظات الإنسانية في كرة القدم.
أما تشابي ألونسو، فهو نسخة مختلفة تمامًا.
جاء إلى ريال مدريد ليبني هيكلًا إداريًا وفنيًا جديدًا، كما فعل سابقًا مع باير ليفركوزن، الفريق الذي كان ينافس على الهبوط قبل وصوله، ثم تحوّل تحت قيادته في وقت قياسي إلى بطل للدوري الألماني دون خسارة.
لكن الفارق المهم هو:
في ليفركوزن، اللاعبون كانوا “جائعين” للتغيير.
أما في ريال مدريد، فأنت تتعامل مع غرفة ملابس مليئة بالنجوم الذين حققوا دوري الأبطال والليغا والسوبر وكأس العالم للأندية.
هؤلاء اللاعبون لا يجدون شيئًا يثبتونه لأحد.
إرث زيدان… والفراغ الذي تركه
جزء كبير من حالة المقارنة الحالية يعود لمرحلة زين الدين زيدان.
زيدان كان الشخصية الذهبية التي جمعت بين هيبة النظام وهدوء الأب الروحي.
كان قادرًا على جعل اللاعب يلتزم دون أن يشعر بأنه مقيّد.
أي لاعب في غرفة الملابس كان يعرف أن النظر في عيني زيدان وحده كافٍ لإيقاف أي اعتراض.
هذه المكانة جعلت الفريق يعمل دون صدامات كبيرة، وجعلت أغلب اللاعبين يقبلون أفكاره دون مقاومة.
ألونسو حاول الدخول بالمنطق نفسه، لكن الظروف مختلفة، والجيل الحالي مدلل هذه المرة بدرجة كبيرة.
مشكلة اللاعبين البرازيليين: فينيسيوس ورودريغو
هنا تبدأ الشرارة.
فينيسيوس جونيور خرج من الملعب أكثر من مرة وهو يتذمر ويتلفظ بكلمات غير مناسبة أمام الكاميرات.
رودريغو الهادئ بطبيعته ظهر أيضًا في لحظة اعتراض نادرة.
من وجهة نظرهم، كل شيء يدور حول مبابي، وأن ألونسو يمنحه معاملة خاصة، حتى لو لم يكن هذا صحيحًا بالكامل.
الحقيقة أن مبابي يقدم أداءً يجبر أي مدرب على معاملته كلاعب “لا يُمس”، شأنه شأن لاعبين محوريين آخرين في الدفاع أو الوسط.
لكن البرازيليين اعتادوا على أنشيلوتي الذي كان يعطيهم مساحة ومرونة وثقة مطلقة.
ومع أول مدرب يحاول ضبط الإيقاع:
بدأ يظهر الصدام.
بلينغهام… من الرقم 10 إلى مركز الجدلية
جود بلينغهام أيضًا يدخل في الصورة.
توماس توخيل صرّح مؤخرًا أن اللاعب يرى نفسه رقم 10، بينما هو يراه في مركز 8.
ألونسو في مدريد أعطى بلينغهام حرية كبيرة جدًا، ربما أكبر من اللازم، ثم عاد ليغيّر من أفكاره لإرضاء اللاعب.
ثم تأتي قصة أردا غولر الذي وجد نفسه يلعب أحيانًا في مركز صناعة اللعب على حساب آخرين، ما زاد من شعور عدم التوازن داخل الفريق.
عقدة الجناح الأيمن: اللغز الذي لا يُحل
منذ سنوات، ريال مدريد لا يملك جناحًا أيمنًا واضحًا.
مرة نجد إبراهيم دياز
مرة رودريغو
مرة أردا غولر
وأحيانًا لاعبين ليسوا أجنحة أصلًا.
هذه الفوضى جعلت اللاعبين يشعرون بأن المنظومة غير مستقرة، وأن المدرب لم يصل بعد إلى فكرة نهائية.
طرق الحل: بين طريق أرتيتا وطريق تين هاغ
أمام تشابي ألونسو طريقان:
1) طريق أرتيتا
التمسك بالنظام مهما كانت الضغوط.
فرض السيستم على الجميع.
تنظيف غرفة الملابس.
وبناء فريق جديد مخلص للأفكار.
2) طريق تين هاغ
التنازل عن بعض الأفكار من أجل النتائج.
اللعب بطريقة مختلفة إذا لزم الأمر.
احتواء اللاعبين وامتصاص غضبهم.
لكنه لا يمكن أن يستمر في الحيرة الحالية:
نصف نظام… نصف مجاملات… نصف سيطرة… نصف تنازلات.
ريال مدريد قوي… لكن هش
ريال مدريد اليوم متصدر الليغا، ويقدم بداية جيدة في دوري الأبطال، ولديه قائمة قوية، لكنه يقف على أرض زلقة.
صراعات غرفة الملابس، التدليل السابق، شخصية ألونسو الصارمة، شعور بعض النجوم بالتهديد… كلها عوامل تجعل النادي في حالة ضجيج غير مبرر.
ريال مدريد في موقف جيد…
لكن الأجواء المحيطة به ليست كذلك.
ولذلك لم يعد غريبًا أن نرى أخبارًا وتقارير تتحدث عن “إقالة محتملة” رغم أن الفريق يفوز.
لأن المشكلة الحقيقية ليست في النتائج…
بل في التوازن النفسي بين المدرب والنجوم.
إما أن يفرض ألونسو نظامه الكامل، أو يحتضن اللاعبين كما كان يفعل أنشيلوتي.
أما استمرار الوضع الهجين الحالي فقد يكون أخطر من أي هزيمة في الملعب.