برشلونة ينجو من فخ جيرونا بأعجوبة… لكن الخطر لم ينتهِ بعد!
بعد مباراة متقلبة ومليئة بالتوتر، نجح برشلونة في الخروج بفوز صعب أمام جيرونا بهدفين مقابل هدف في الجولة الأخيرة من الدوري الإسباني، في لقاء يمكن وصفه بأنه اختبار واقعي لقدرة الفريق على الصمود وسط ظروف معقدة فنيًا وبدنيًا. فبرغم تحقيق النقاط الثلاث، إلا أن الأداء كشف عن خلل واضح في المنظومة الدفاعية، وتراجع ملحوظ في التوازن الذهني للفريق عند مواجهة الضغوط.
التحليل العام للمباراة
دخل برشلونة اللقاء بنية فرض السيطرة منذ الدقائق الأولى، وتمكن من التسجيل عبر بيدري الذي أظهر ذكاءً عالياً في التحرك وإنهاء الهجمة بلمسة أنيقة. لكن هذا التقدم لم يدم طويلاً، إذ سرعان ما فقد الفريق تنظيمه بعد هدف التعادل لجيرونا، لتتحول المباراة إلى فوضى تكتيكية جعلت برشلونة يبدو وكأنه فريق بلا هوية واضحة.
رغم تفوق برشلونة في الاستحواذ، إلا أن الفاعلية الهجومية تراجعت بوضوح بعد الدقيقة 25. انخفضت سرعة التمرير، وتقلصت المساحات أمام لامين يامال الذي بدا مرهقًا بعد عودته من الإصابة. أما فليك، فقد بدا متردداً في التعامل مع التغييرات، إذ اضطر لإخراج بيدري ويامال مبكراً خوفًا من تفاقم الإصابات، ما أفقد الفريق حيويته الهجومية.
ورغم هذه المعاناة، جاء المنقذ من الخلف حين سجل أراوخو هدف الفوز في اللحظات الأخيرة، ليمنح برشلونة انتصارًا صعبًا يخفف الضغط، لكنه لا يخفي عمق الأزمة التي يعيشها الفريق.
المشاكل الدفاعية التي تهدد الفريق
أكبر ما يقلق جماهير برشلونة اليوم ليس قلة التسجيل، بل سهولة استقبال الأهداف. فالفريق استقبل أهدافاً في أغلب مبارياته الأخيرة، وبطرق متشابهة تدل على خلل بنيوي في التنظيم الدفاعي.
التمركز الخاطئ، وسوء التفاهم بين قلبَي الدفاع، إضافة إلى بطء الارتداد من لاعبي الوسط، جعل من كل كرة مرتدة تهديدًا حقيقيًا. كما أن الاعتماد المفرط على مصيدة التسلل أصبح سلاحًا ذا حدين، إذ فشل الفريق في تطبيقها بدقة خلال أكثر من مناسبة، وكان من الممكن أن يدفع الثمن غاليًا أمام جيرونا.
حتى الحارس شتيغن، الذي كان أحد أبرز عناصر الاستقرار في المواسم السابقة، بدا في بعض اللحظات مترددًا في الخروج من مرماه، نتيجة الضغط النفسي المتزايد وفقدان الثقة في المنظومة الدفاعية أمامه.
المنافسة مع ريال مدريد: صراع يحتاج أكثر من الانتصارات
في ظل هذه المشاكل، تبدو المنافسة مع ريال مدريد على لقب الدوري مهمة شاقة. ريال مدريد يعيش استقرارًا فنيًا وبدنيًا واضحًا، فيما لا يزال برشلونة يبحث عن هويته تحت قيادة هانز فليك.
الفريق المدريدي يتمتع بعمق في التشكيلة وقدرة على الحسم في اللحظات الصعبة، بينما يعتمد برشلونة بشكل مقلق على تألق فردي من بيدري أو يامال أو فيرمين لوبيز. إذا استمر الأداء بهذا الشكل، فإن الحفاظ على المركز الثاني سيكون إنجازًا بحد ذاته، ما لم تحدث صحوة فنية حقيقية.
اللقاء المنتظر بين الفريقين في الكلاسيكو القادم سيكون اختبارًا فاصلاً، ليس فقط على مستوى النقاط، بل على صعيد الثقة داخل غرفة الملابس. فالفوز على ريال مدريد قد يعيد لبرشلونة توازنه، بينما الهزيمة قد تعمّق أزمته وتضع فليك تحت ضغط غير مسبوق.
المشوار الأوروبي في دوري الأبطال
على الصعيد الأوروبي، يدخل برشلونة دور المجموعات وهو يعيش حالة من التذبذب الفني. الفوز على جيرونا لا يمنح الكثير من الطمأنينة قبل مواجهة أولمبياكوس، لأن الأداء ما زال بعيدًا عن المستوى الذي يحتاجه الفريق للمنافسة في دوري الأبطال.
برشلونة يملك عناصر موهوبة قادرة على صنع الفارق، لكن غياب الانسجام بين الخطوط الثلاثة يظل العقبة الكبرى. فليك مطالب بخلق توازن بين اللعب الهجومي المفتوح وبين الانضباط الدفاعي، لأن الأخطاء التي يمكن تجاوزها في الليغا، قد تكون قاتلة في أوروبا أمام فرق مثل بايرن ميونخ أو مانشستر سيتي.
إذا تمكن فليك من إعادة ضبط الإيقاع واستعادة المصابين، قد يذهب برشلونة بعيدًا في البطولة، لكن في الوضع الحالي، الوصول إلى ربع النهائي سيكون إنجازًا واقعيًا أكثر من حلمًا باللقب.
فرص الفوز بالبطولات
من الناحية الحسابية، لا يزال برشلونة في السباق على جميع الجبهات، لكن من الناحية الواقعية، الفريق بحاجة إلى نقلة نوعية في المستوى ليحافظ على آماله في التتويج.
الدوري الإسباني يبدو صعبًا في ظل ثبات مستوى ريال مدريد وأتلتيكو مدريد، بينما كأس الملك ودوري الأبطال يشكلان فرصة لتصحيح المسار. نجاح الفريق في أي من البطولتين سيكون مرتبطًا بمدى تحسن الأداء الدفاعي واستعادة الصلابة الذهنية في المباريات الكبيرة.
العمق في التشكيلة يمثل مشكلة أخرى، فالإصابات المتكررة جعلت فليك يعتمد على لاعبين شباب بشكل متزايد، ما يؤثر على التوازن والخبرة في لحظات الحسم.
الضغط الجماهيري والإعلامي على فليك
هانز فليك يدرك أن التحدي في برشلونة ليس تكتيكيًا فقط، بل نفسي أيضًا. الضغوط الإعلامية في كتالونيا قاسية، وأي تعثر يُضخّم فورًا ليصبح أزمة داخل النادي.
المدرب الألماني حاول منذ البداية أن يرسخ أسلوب لعب هجومي مبني على الضغط العالي والتحولات السريعة، لكن ضعف اللياقة البدنية وقلة الانسجام بين العناصر جعل التنفيذ صعبًا. الجماهير بدأت تُبدي قلقها من تكرار سيناريو المواسم السابقة، حين كان الفريق يحقق نتائج متذبذبة بلا استقرار واضح.
فليك بحاجة إلى إدارة ذكية للمباريات القادمة، وتدوير العناصر بحذر، خصوصًا أن برشلونة يدخل فترة مزدحمة بالمباريات قد تحدد شكل موسمه بالكامل. الفوز في الكلاسيكو أو التأهل المبكر في دوري الأبطال سيكون بمثابة درع نفسي يعيد الثقة للمجموعة.
على كل حال
انتصار برشلونة على جيرونا لم يكن سوى جرعة مؤقتة من الأمل. فالمشكلة الحقيقية ليست في النتائج، بل في الأداء غير المقنع والارتباك الدفاعي الذي يهدد الفريق في كل مواجهة.
إذا أراد برشلونة العودة لمنصات التتويج فعلاً، فعليه أولاً معالجة أزماته الداخلية، سواء على مستوى التنظيم أو التركيز الذهني. الجماهير لا تطلب معجزات، لكنها تريد رؤية فريق يعرف كيف يفوز بثقة، لا أن يعيش على حافة الانهيار في كل مباراة.
الموسم ما زال طويلاً، والمجال متاح لتصحيح المسار، لكن فليك ورفاقه يعلمون أن “النجاة من فخ جيرونا” يجب أن تكون جرس إنذار… لا مبرر للراحة، لأن الخطر لم ينتهِ بعد.