ليفربول بين صعود الحظ وانهيار الواقع: ما الذي يحدث مع فريق أرني سلوت؟
بداية قوية توحي بعودة البطل
بعد الركلة الحرة الرائعة التي نفذها دومينيك سوبوسلاي في شباك آرسنال، بدا ليفربول في أوج تألقه. الفريق فاز على بورنموث الجيد، وحقق انتصارًا مثيرًا على نيوكاسل في ملعبهم، ثم تفوق على منافسه المباشر آرسنال.
كل المؤشرات حينها كانت تقول إن ليفربول في طريقه إلى لقب جديد، وأن الفريق استعاد بريقه وشخصيته البطولية. لكن بعد فترة قصيرة، بدأ الحديث يدور حول “تعويذة الحظ” التي ترافق الريدز، وكأن الانتصارات لم تكن ثمرة أداء منظم بقدر ما كانت لحظات توفيق.
هل ما يحدث مجرد فترة تذبذب عابرة، أم بداية لانهيار حقيقي؟
حتى أمام أتلتيكو مدريد، قدّم ليفربول شوطًا أول ممتازًا، لكنه انهار في الشوط الثاني، واحتاج لهدف قاتل من فان دايك ليحسم المباراة. ومع ذلك، كما يُقال: الحظ لا يدوم للأبد. جاءت بعدها ثلاث خسائر متتالية أمام كريستال بالاس، غلطة سراي، وتشيلسي، لتفتح باب التساؤلات:
الخسائر منطقية.. لكنها مقلقة
قبل المبالغة في التحليل، يجب الاعتراف بأن جميع الخسائر الأخيرة كانت قابلة للخسارة.
فريق سلوت لعب كل هذه المباريات خارج ملعبه ضد خصوم أقوياء وفي أجواء معقدة:
-
كريستال بالاس يعيش فترة ممتازة،
-
غلطة سراي معروف بصعوبة اللعب في "جحيم إسطنبول"،
-
وتشيلسي كانت المباراة بالنسبة له حياة أو موت لإنقاذ موسمه.
إلى جانب ذلك، ليفربول دخل هذه المرحلة وهو منهك بدنيًا وذهنيًا، إذ خاض مباريات كثيرة حُسمت في الدقائق الأخيرة منذ بداية الموسم. لذلك من الطبيعي أن يتراجع الأداء قليلًا.
التغييرات الكبيرة والانسجام المفقود
المشكلة الأعمق في ليفربول بدأت من الصيف الماضي، حين قامت الإدارة بصفقات ضخمة:
فيرتس، فريمبونغ، إيزاك، أكيتيكي، وكيركز.
تلك الأسماء الكبيرة غيّرت نصف الفريق تقريبًا، ومعها جاءت مشكلة الانسجام.
اللاعبون الجدد لا يعرفون بعضهم جيدًا، ولا يزالون يتأقلمون على أسلوب لعب جديد بالكامل.
كل لاعب يحاول إثبات نفسه، ففيرتس يريد تبرير المبلغ الكبير، فريمبونغ يبحث عن أهميته، إيزاك يسعى لتأكيد جدارته، وأكيتيكي يقاتل لأخذ مكانه الأساسي.
وسط كل ذلك، دخل الفريق في حالة تشويش ذهني وعدم تركيز جماعي — أمر طبيعي بعد ثورة في سوق الانتقالات.
إضافة إلى ذلك، ظهرت مشكلة توحيد الأهداف:
مشكلة أرنولد.. بداية السلسلة
من أبرز المشاكل الفنية في ليفربول الجديد هي غياب أرنولد.
اللاعب الذي كان نقطة انطلاق الفريق في بناء الهجمة والصعود بالكرة، غاب عن المنظومة تمامًا.
تحسّن دفاعيًا تحت قيادة سلوت، لكن ليفربول خسر أهم ميزاته الهجومية:
-
أرنولد كان يصنع فرصًا من مركز الظهير الأيمن،
-
كان يخلق مواقف 1 ضد 1 لمحمد صلاح،
-
وكان يمتاز بالكرات الطولية التي تفتح الملعب.
النتيجة أن ليفربول أصبح يمتلك الكرة أكثر (زيادة 4%)، لكنه يخلق فرصًا أقل بنسبة 15%.
الاستحواذ ارتفع، لكن الفاعلية انخفضت. ومعها، انخفضت أرقام صلاح بشكل كبير:
-
لمساته في منطقة الجزاء تراجعت بنسبة 40%.
-
وتسديداته على المرمى انخفضت إلى النصف تقريبًا.
كل هذا بسبب غياب لاعب واحد كان يربط منظومة كاملة على الجهة اليمنى.
فوضى في الوسط وعدم وضوح الأدوار
خط الوسط أصبح النقطة الأضعف في الفريق.
تشاهد جرافينبرخ تارةً يلعب كصانع ألعاب، ثم يعود مدافعًا.
ماك أليستر يبدو مقيّدًا، لا يعرف متى يتقدم أو يتراجع.
حتى سوبوسلاي، الذي بدأ الموسم بقوة، أصبح دوره ضبابيًا.
الفريق يعاني من انعدام التوازن الدفاعي ومساحات مفتوحة في العمق والأطراف.
الضغط الأمامي تراجع دقّته وجودته، مما جعل الخصوم يصعدون بسهولة ويضربون الدفاع بتمريرات مباشرة.
أين الحل؟
الحل يبدأ من خط الوسط وليس من الهجوم.
ليفربول بحاجة لإعادة توزيع الأدوار وتغيير التشكيلة التكتيكية.
هناك من يقترح أن يلعب فيرتس كجناح أو مهاجم ثانٍ بدل مركز الوسط،
أو أن يعتمد سلوت على رسم تكتيكي جديد مثل 3-4-2-1 لزيادة التوازن الدفاعي والصعود بالكرة بأمان أكبر.
بهذه الخطة، يمكن لليفربول استغلال قدرات فريمبونغ وكيركز كأظهرة هجومية،
ويستفيد من فيرتس وصلاح خلف المهاجم الأساسي، سواء كان إيزاك أو أكيتيكي.
لكن المشكلة أن سلوت بطبيعته محافظ تكتيكيًا، ويفضّل دائمًا اللعب بخطتين فقط: 4-3-3 أو 4-2-3-1.
لذلك من المستبعد أن يغامر بتغيير الشكل إلا إذا شعر بأن الأمور تخرج عن السيطرة.
🏆 فرص ليفربول في دوري الأبطال والدوري الإنجليزي
رغم التراجع الأخير، لا يزال ليفربول في موقع تنافسي جيد على جميع الجبهات، لكن طبيعة المنافسة في إنجلترا وأوروبا تجعل المهمة معقدة للغاية.
🔹 في الدوري الإنجليزي:
ليفربول يمتلك ما يكفي من الجودة الفردية والعقلية القتالية ليبقى ضمن الرباعي الأول حتى نهاية الموسم، لكن الفوز باللقب يبدو صعبًا في ظل ثبات مانشستر سيتي وعودة آرسنال القوية بسبب ان الوضع معقّد ومفتوح على كل الاحتمالات رغم ان
ليفربول بدأ الموسم بإيقاع قوي، لكنه فقد بعض الزخم مع مرور الجولات
الفريق بحاجة إلى سلسلة انتصارات متتالية واستقرار في الأداء ليدخل مجددًا سباق الصدارة، خصوصًا أن كل تعثر في البريميرليغ يُكلّف غاليًا.
ومع ذلك، إذا نجح سلوت في إعادة التوازن الدفاعي واستعادة فورمة صلاح، فقد نشاهد ليفربول ينافس حتى الجولات الأخيرة — لأن الدوري هذا الموسم مفتوح أكثر من أي وقت مضى.الفريق يمتلك العقلية التنافسية التي تسمح له بالبقاء ضمن المراكز الثلاثة الأولى، وربما يعود للسباق إذا استعادت المنظومة انسجامها.
🔹 في دوري أبطال أوروبا:
الوضع مختلف تمامًا.
ليفربول في أوروبا يبقى فريقًا خطيرًا، يمتلك شخصية بطولية وخبرة طويلة في التعامل مع مباريات الإقصاء.
لكن لكي يذهب بعيدًا، يحتاج سلوت إلى هوية أوضح وأداء أكثر ثباتًا.
الكرة الأوروبية لا ترحم، وكل خطأ تكتيكي يُعاقَب عليه بشدة.
إذا استعاد الفريق مستواه المعروف في الأنفيلد، وحافظ على نظافة شباكه في المباريات الكبرى، فليس من المستبعد أن يصل إلى ربع النهائي أو نصف النهائي على الأقل.
لكن التفكير في اللقب في الوقت الحالي يبدو مبالغًا فيه، خاصة أمام فرق مثل مانشستر سيتي، ريال مدريد، وبايرن ميونخ التي تملك استقرارًا أكبر وخبرة أعمق.
باختصار، ليفربول ما زال في السباق، لكن حظوظه الحقيقية تعتمد على مدى سرعة سلوت في إصلاح العيوب الفنية وإعادة الانسجام بين خطوط الفريق.
فترة مؤقتة أم بداية أزمة؟
ليفربول الحالي ليس ليفربول الموسم الماضي.
الفريق الذي أنهى الموسم السابق بقوة يعيش الآن مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات.
مشاكل الصعود بالكرة، غياب أرنولد، ضعف الانسجام، وتراجع صلاح كلها عوامل مترابطة.
لكن في المقابل، يمتلك سلوت أدوات كثيرة وقدرات تكتيكية تسمح له بإعادة التوازن سريعًا.
الفريق لا يزال قويًا، ويملك عناصر قادرة على قلب الصورة متى ما استعاد التركيز والثقة.
الأسابيع القادمة ستكون حاسمة:
هل سيجد سلوت الحل في تغيير الشكل؟
أم سيُثبت أن المشكلة ذهنية ويمكن إصلاحها بالتدريج؟
الوقت كفيل بالإجابة، لكن المؤكد أن ليفربول لا يزال يمتلك ما يكفي ليعود إلى القمة إذا استطاع السيطرة على التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفارق في كرة القدم الحديثة.