ماذا لو عاد ليونيل ميسي إلى برشلونة؟ قراءة في العاطفة والاقتصاد والكرة
منذ اللحظة التي نشر فيها ليونيل ميسي مجموعة من الصور المفاجئة داخل ملعب “كامب نو” خلال فترة التوقف الدولي الماضية، امتلأت شبكات التواصل الاجتماعي بتساؤلات لا تنتهي. كانت صورًا غير متوقعة، التقطها الأسطورة الأرجنتينية داخل ملعب لم يُفتتح رسميًا بعد، وفي وقت لم يكن فيه أحد داخل برشلونة ـ بما في ذلك مسؤولو النادي ـ يعلم بوجوده هناك. المشهد بدا استثنائيًا ومربكًا، وكأن ميسي ظهر من العدم، ليُشعل الإنترنت ويُحرّك خيال الملايين.
دقائق قليلة كانت كافية لتتجاوز الصور حاجز 35 مليون إعجاب على إنستغرام، وتقترب من 40 مليونًا، لتصبح من أكثر الصور رواجًا في تاريخ المنصّة. ومعها ظهر السؤال الذي لا يمكن الهروب منه:
هل عودة ليونيل ميسي إلى برشلونة ممكنة؟
من منظور واقعي، يبدو الأمر مستحيلاً على المستوى المالي والإداري. برشلونة يعاني من قيود رابطة الليغا المتعلقة بالكتلة الائتمانية، ولا يستطيع إبرام صفقات كبرى. فإذا كان النادي عاجزًا عن التعاقد مع مدافع جديد، فكيف له أن يتحمل عودة لاعب بحجم ميسي وراتبه؟ لكن بعيدًا عن الواقع، هناك مساحة للخيال، ومساحة لتصور ما قد يحدث لو عاد الأسطورة إلى بيته الأول.
في هذا المقال، سنترك الحسابات الجافة جانبًا، ونستسلم لفكرة “ماذا لو؟”. ماذا لو قرر ميسي بالفعل العودة لبرشلونة؟ ما الذي سيحدث على المستوى العاطفي، والاقتصادي، والكروي؟
عودة أكبر من كرة القدم
لا يمكن لأي نادٍ في العالم أن يحتضن لاعبه التاريخي كما يحتضن برشلونة ليونيل ميسي. فالرابط بين الطرفين يتجاوز حدود الرياضة، ويشبه علاقة بين لاعب ومكان نشأته وروحه الأولى. ولهذا، فعودة ميسي إلى كامب نو لن تكون مجرد صفقة؛ ستكون حدثًا يتجاوز الكرة نفسها.
جماهير برشلونة عاشت صدمة الرحيل في 2021، وظل جزء كبير منها فاقدًا للشغف منذ مغادرته. هناك من توقّف عن متابعة كل مباريات الفريق، وهناك من ظل ينتظر يومًا يرى فيه الأسطورة تحت ألوان النادي من جديد. ولو عاد ميسي، حتى كبديل في المباراة الأولى، فإن المشهد سيكون كفيلًا بإعادة الطفل الداخلي لدى كل مشجع كتالوني.
تخيل المشهد:
ميسي يدخل أرض الملعب، ولو بقميص يحمل الرقم 30 الذي بدأ به مسيرته، والجماهير تقف لأطول لحظة تصفيق في تاريخ الملعب الجديد. هذه اللحظة وحدها تكفي لجعل الموسم حدثًا تاريخيًا، حتى لو لم يقدم اللاعب سوى دقائق قليلة من الإبداع هنا وهناك.
العاطفة هنا ليست تفصيلًا صغيرًا؛ إنها جزء من معنى كرة القدم نفسها.
مكاسب اقتصادية غير مسبوقة
قد تكون عودة ميسي رياضيًا محل نقاش، لكن على المستوى الاقتصادي، فإن تأثيره واضح وموضوعي وملموس. لو عاد ميسي إلى برشلونة، حتى لموسم واحد أخير، فإن العائدات المالية ستتضاعف بشكل لا يمكن لأي اسم آخر تحقيقه.
1. الرعايات والإعلانات
في موسمه الأخير مع برشلونة، كان النادي يحقق أرقامًا خيالية من عقود الرعاية بسبب وجوده. واليوم، وبعد أن أصبح رمزًا عالميًا يتجاوز حدود الرياضة، فإن قيمته التسويقية أعلى من أي وقت مضى.
الشركات ستتسابق لوضع اسمها بجانب حدث "عودة ميسي". مجرد أن يُنشر إعلان رسمي واحد، كفيل بأن يكون الأعلى مشاهدة وربما الأعلى تكلفة تاريخيًا في كرة القدم.
2. حقوق البث
هناك دول ستدفع مبالغ مضاعفة للحصول على مباريات برشلونة فقط من أجل اللحاق بآخر مواسم ميسي. دوري بأكمله قد يستعيد بريقه بعودة لاعب واحد، وهذا ليس مبالغة؛ فالأرقام تقول ذلك عندما ننظر لتأثيره على إنتر ميامي.
3. الجولات الصيفية
إنتر ميامي حديث العهد أصبح مطلوبًا في آسيا وأمريكا والعالم العربي، لا بسبب تاريخه، بل بسبب لاعبه الأسطوري. فكيف بنادٍ كبرشلونة صاحب الشعبية التاريخية؟ جولة واحدة قبل موسم الاعتزال ستدر أرقامًا غير مسبوقة.
4. مباراة الاعتزال
لو أعلن ميسي أن موسم 2026–2027 سيكون الأخير، فإن مباراة اعتزاله ستكون مناسبة عالمية.
القنوات ستتقاتل على الحقوق، النجوم سيبحثون عن المشاركة، والمنصّات ستعتبرها حدثًا عالميًا لا يقل عن نهائي كأس العالم.
هذا كله قبل أن نتحدث عن مبيعات القمصان التي قد تحطم كل الأرقام السابقة.
ماذا سيضيف ميسي داخل الملعب؟
قد يبدو الحديث الفني أقل أهمية أمام العاطفة والاقتصاد، لكن وجود ميسي في الفريق له تأثير كروي مباشر، حتى لو لم يعد اللاعب القادر على الركض 90 دقيقة كما اعتاد.
1. تقليل الضغط عن اللاعبين الشباب
وجود ميسي يعني أن الأنظار كلها ستتجه إليه. هذه حقيقة تاريخية؛ في أيامه، لم يكن أحد يهتم كثيرًا بأخطاء باقي اللاعبين، ولا بردة فعلهم، ولا بمستواهم. كان التركيز دائمًا عليه.
هذا الأمر يمنح اللاعبين، خصوصًا أمثال لامين يامال وبيدري وجافي، مساحة للراحة الذهنية، ويخفف من الضغط الإعلامي الهائل الواقع عليهم.
2. القيادة والخبرة
معظم لاعبي برشلونة الحاليين لم يتواجدوا مع ميسي إلا لفترات قصيرة أو لم يلعبوا معه أساسًا. وجوده سيمنحهم صورة حية لثقافة الفوز التي كانت سائدة في النادي لسنوات طويلة.
3. القيمة الفنية
حتى لو لعب ميسي 20–30 دقيقة كل مباراة، فإن لمسته قادرة على تغيير الإيقاع، وصناعة لحظة فارقة. لاعب بهذه الجودة لا يفقد تأثيره، حتى لو تراجع مستواه البدني.
تصريحات فليك عن ميسي
وفي خضم الحديث عن هوية برشلونة وتوازن المشروع بين الحاضر والمستقبل، لم يتردد هانز فليك في الإشادة بأسطورة النادي ليونيل ميسي، حيث عبّر بوضوح عن إعجابه الدائم باللاعب الذي شكّل حقبة كاملة في كرة القدم الحديثة. وقال فليك:
«ميسي هو أفضل لاعب كرة قدم في السنوات العشر الأخيرة، إن لم يكن أكثر. أنا دائمًا استمتعت بمشاهدته يلعب، إنه أمر رائع، وما قام به شيء مذهل».
ورغم هذا التقدير الكبير، حرص فليك على وضع الأمور في إطارها الواقعي، مشيرًا إلى أن الحديث عن تدريبه لميسي ليس مطروحًا في الوقت الحالي، موضحًا:
«عقده ينتهي في 2028، وعقدي أنا ينتهي في 2027، لذا فإن تدريبه لا يعتمد عليّ».
بهذه الصياغة، يظهر فليك احترامه العميق لتاريخ ميسي وتأثيره الهائل على كرة القدم، مع التأكيد في الوقت ذاته على أن علاقته بالنادي تقوم على مشروع قائم بذاته، لا على الرغبات أو السيناريوهات الافتراضية.
هل يمكن أن يحدث ذلك فعلًا؟
الحقيقة الواقعية تقول:
لا، على الأرجح لن يعود ميسي إلى برشلونة.
فاللاعب مدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2027، والنادي الكتالوني عاجز عن تسجيل لاعبين جدد بسهولة بسبب القيود المالية. كما أن ميسي نفسه كشف مسبقًا أنه يخشى تكرار اللحظة المؤلمة التي عاشها صيف 2021، عندما أُبلغ وهو في الطريق للنادي أن تجديد عقده أصبح مستحيلاً.
لكن الخيال ليس محرمًا.
تخيل سيناريو ما بعد كأس العالم 2026، حيث يتوج ميسي بالبطولة للمرة الثانية على التوالي، ثم يقرر إنهاء مسيرته في المكان الذي صنع مجده: برشلونة.
تخيل أن رابطة الليغا تمنح استثناءً خاصًا للمرة الأولى في تاريخها من أجل القيمة التسويقية للحدث. تخيل مباراة الظهور الأولى على أرض كامب نو الجديد، والجماهير تملأ الملعب، والرقم 30 يظهر مجددًا على ظهر اللاعب الذي صنع تاريخًا لا يُنسى.
قد لا يحدث هذا أبدًا، لكنه يظل حلمًا محبوبًا لدى جماهير الكرة حول العالم، وليس فقط جماهير برشلونة.
حلم جميل حتى لو لم يتحقق
سواء عاد ميسي أم لم يعد، سيظل تأثيره على برشلونة، وعلى كرة القدم كلها، أكبر من أي حسابات مالية أو فنية. إنه اللاعب الذي غيّر شكل اللعبة، ورفع سقف التوقعات، وصنع حقبة كاملة يصعب تكرارها.
برشلونة قبل ميسي شيء، وبعده شيء آخر.
وأي لاعب يستخدم قدمه اليسرى سيجد نفسه مقارنة بمعيار واحد: ميسي.
ربما لن يعود يومًا، وربما تخطفه السنوات قبل أن نراه مجددًا بقمصان النادي الكتالوني، لكن مجرد أن نتخيل إمكانية عودته، يكفي لأن نفهم مقدار الحب الذي تركه خلفه.
فالأساطير لا تغيب… لكنها تظل تسكن المكان الذي صنعت فيه مجدها.